إن الاختلاف بيقي بين الفقهاء بخصوص الإختلاط. وهو اليوم ممنوع في العراق للمساجد والحسينيات (مساجد الشيعة) ومسموح به في سوريا مع تخصيص أماكن لهن. لكن الشيعة يسمحون به في مزاراتهم قياساً على الطواف في الكعبة. ويختلط الزوار الشيعة ببعضهم داخل المزار مع وجود أماكن مخصصة لهن إذا أردن الصلاة إذ ليس من المألوف ان تصلي المرأة والرجال يروحون ويجيئون من حولها. وكان النساء يحضرن المساجد في العصر العباسي انما بنسبة اقل من الأموي والاسلامي؛ هي التي أراد الغزالي كما يبدو منعها نهائيا. وساهم بعضهن في التعليم في المسجد وغيره. وقد وصلتنا لوحه للرسام يحيى الواسطي من القرن السابع تصور امرأة تلقي دروس على الرجال، وهي مكشوفة الوجه محجبة الشعر.لكن رجال الدين تشددوا في المنع ووضعوا أحاديث على لسان محمد والصحابة وأئمة أهل البيت بإلزام المرأة بيتها. وهو حكم مخصوص بنساء النبي فقط ولا يعم غيرهن، ويتصل هذا الاتجاه بتعقد المجتمع الاسلامي مع العصر العباسي واتساع الجنسوية الذكورية لدى عموم الرجال. وقد تحكمت فيه عقدة الخوف من العلاقة المحرمة وأظهر مسلموا العصر العباسي تحسس شديد ضد الاختلاط مفترضين حضور العلاقة الجنسية في أي اتصال بين الجنسين، وبالغو في تقديرهم لعنف الغريزة الجنسية وامكان إنفلاتها إذا اسلس العنان للعلاقة بين الرجال والنساء، ولم يعولوا كثيرا على الإنضباط الذاتي إذ افترضوا اولوية الغريزة على العقل. وكان المجتمع الاسلامي قد شهد مظاهر فساد واسعة لم يعرفها المجتمع الجاهلي بعلاقاته المفتوحة واتسخت فئات واسعة بالغلمنة التي حولها أبو نواس وتلامذته الى لون من الأدب الفاقع تتغنى به ألوان شتى. وترافق ذلك مع كثرة الجواري اللواتي مارسن شكلا من الإباحية يقترب من البغاء الرسمي من غير أن يكون مقنن أو محدد بأماكن مخصوصة. وقد دفع هذا الوضع الى التشدد في حجب الحرائر ومنعهن من مقابلة الرجال حتى في المنزل وبحضور افراد العائلة. وكان شعارهم في ذلك: المرأة ريحانة لا قهرمانة ونسبوا وصايا الى علي ابن ابي طالب تقول: اذا استطعت الا يرين غيرك فإفعل وعلي هو الذي استخدم المحرضات في صفين لتأجيج حميّة مقاتليه، وكان فيهن من ينفوق على رجاله في شدة الصوت وبلاغة الخطاب. ولم يعد ممكن للمرأة استقبال ضيف في غياب زوجها كما كانت الجاهلية تفعل، وانما يسمح لها بالتطلع من شقوق الباب فإذا كان رجل كلمته من وراء الباب لتبلغه أن رب البيت غائب. وكان النبي محمد يسلم على المرأة اذا صادفها في الطريق ثم صار السلام عليها من المحضورات. وكان الخاطب يرى مخطوبته وتراه قبل اجراء الخطوبة ثم صارت تزف اليه مقنّعَة ولا يراها إلا في غرفة النوم ليلة الدخلة. هادي العلوي
اقتباسات أخرى للمؤلف