وحين أُتي للعباس برأس مروان بن الحكم، ووضع بين يديه، سجد السفاح وأطال سجوده، ثم رفع رأسه قائلا لرأس مروان: الحمد لله الذي لم نبق ثأري قبلك، وقبل رهطك. الحمد لله الذي أظفرني بك، وأظهرني عليك. ثم قال: ما أبالي متى طرقت الموت، فقد قتلت بالحسين وببني أبية مائتين، وأحرقت أشلاء هشام بابن عمي زيد بن علي، وقتلت مروان بأخي إبراهيم الإمام. وحين كان هشام بالبلقاء، كان عنده سليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وقد أتاه مبايعا، فأكرمه السفاح وأمنه، ولكن سديفا الشاعر ذخل آنئذ على السفاح، وقال له: لا يغرنك ما ترى من رجال إن تحت الضلوع داء رويا فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا عندئذ صرخ سليمان قائلا لسديف: قتلتني يا شيخ، وعندئذ أخذ السفاح سليمان وقتله. والصورة الأفظع والأبشع، حين كان السفاح جالسا، وقدم الطعام على مشد من سبعين أسيرا أمويا، ونهض شاعر واستفز السفاح يحرضه بالشعر، كي يقتل أسراه الأمويين، مُذكرا إياه بقتلى بني هاشم على يد بني أمية: حمزة بن عبد المطلب عند ماء المهراس بأحد، والحسين بكربلاء، وزيد بن علي، وأخوه إبراهيم الإمام... عندئذ أمر السفاح بأسراه من بني أمية، فضربوا أولا بالسياط، ثم بُسطت النطوع، وقُطعت الرؤوس، وطعنت القلوب، وأمر السفاح ببسط البسط فوق جثث القتلى والذين لا يزالون يحتضرون، ومُدت موائد الطعام للسفاح ومن معه من بني العباس فوق البسط، وجلسوا يأكلون، وموسيقاهم أنين المحتضرين. وكان إخوة السفاح وأعمامه هناك في البصرة والكوفة والشام يستأصلون هنا وهناك شأفة بني أمية، وينبشون قبور موتاهم، فلا يجدون بها سوى الرمال. ولقد ظلت روح الانتقام العباسي تُطارد العباسيين ضد بني أمية طوال مئة عام، في عهود عشرة خلفاء، وتتمنى أن تطول أحدا من بني أمية على قيد الحياة، فالعداء كان شديدا ودفينا بين بني أمية وبني هاشم، جاهلية وإسلاما. ومثلما كان خلفاء بني أمية يلعنون عليا والعلويين من فوق المنابر، راح العباسيون يلعنون معاوية والأمويين على المنابر في كافة الأقطار والأمصار الإسلامية، عملا بالسنة العربية المتبعة عبر التاريخ: كلما دخلت أمة لعنت أختها، حتى يداردكوا فيها جميعا، دنيا وآخره . سليمان فياض
اقتباسات أخرى للمؤلف