كتاب في يد دلّال كان أبو علي يقرأ ذات يوم في كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو. وعلى حدة ذكائه ودقة فهمه، عجز عن أن يفهم ما فيه، بل وعجز عن فهم غرض أرسطو منه. وأعاد أبو علي قراءة الكتاب مراراً بلغ عددها أربعين مرة، حتى حفظه، من كثرة قراءته له، عن ظهر قلب. ويئس أبو علي من فهم هذا الكتاب، بل ويئس من نفسه ، واهتزت ثقته بذكائه وإرادته. وذات يوم في وقت العصر، كان أبو علي بحيِّ الوراقين في بُخَارَى، ومر بدلال كتب، ينادي على مُجلد في يده، يعرضه للبيع .واعترض الدلال طريق أبي علي قائلا: -هذا كتاب أيها الشاب في الفلسفة،وثمنه رخيص. فردّ عليه أبو عليّ قائلاً: -لا فائدة في هذا العلم، فابتعد عني بكتابك هذا. فعاد الدلال يُلح قائلا: -اشتر مني هذا المجلد، ولن تندم. ثمنه ثلاثة دراهم، وصاحبه محتاج إلى ثمنه، ولولا ذلك ما عرضه للبيع. وأشفق أبو علي على صاحب الكتاب، ونقد الدلال الدراهم الثلاثة، وأخذ الكتاب منه، ولم ينظر فيه وعاد إلى قصر أبيه، وجلس في حديقة البيت، تحت خميلة مزهرة في يوم صيف. ونظر أبو علي في الكتاب، وفتح فمه شاهقا بدهشة وفرح وهب واقفا ثم جلس، فالكتاب لفيلسوف زمانه أبو نصر الفارابي والكتاب في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو. ولم ينم أبو علي إلى الصباح عكف ليلته على الكتاب يقرأه بشغف، ووجد أبو علي نفسه يفهم كتاب أرسطو الذي يحفظ نصه حرفا بحرف، وكان سعيدا بشرح الفارابي له، وحسن كشفه لأغراضه ومراميه. وإذ أشرقت الشمس، غادر أبو علي صحن مسجد بخاري، إثر صلاة الفجر، وتصدق بمالٍ كثير من ماله الخاص على فقراء بخارى، شاكراً الله على نعمته عليه، إذ يسّر له فهم ما لم يفهم. وهمس لنفسه : صدق الله العظيم، ففوق كل ذي علمٍ عليم. سليمان فياض
اقتباسات أخرى للمؤلف