طه حسين
ولم يكد زياد يلي البصرة حتى سار في الناس سيرة تناقض كل المناقضة سيرته فيهم حين كان عاملاً لعليّ، وحتى اعتمد في سياسته لهم على الإرهاب أكثر مما اعتمد على أي شيء آخر. وليس من شك عندي في أن مرجع ذلك ليس إلى حاجته وحاجة معاوية إلى ضبط العراق وحمل أهله على الطاعة فحسب، ولكن إلى عُقدة نفسيَّة أدركته وأفسدت عليه أمره بعد الاستلحاق. فهو كان يعرف رأي المسلمين في نسبه هذا الجديد، وكان يعرف إنكارهم له واستهزاءهم به، وكان يعلم أن العرب لا تسخر من شيء كما تسخر ممن يُدعى لغير أبيه. وقد حمله ذلك على أن يسوس الناس بالخوف والذُّعر، ويحول بينهم وبين أن يجمجموا بما في نفوسهم من نسبه واستلحاقه وسيرته وسيرة معاوية في أمور المسلمين، فوفق إلى ذلك أشنع التوفيق وأشدّه نُكْراً. خاض إليه دماء الناس، وأهدر في سبيله حقوقهم وكرامتهم، وأحدث فيهم من ألوان الحكم ما لم يعهدوه من قبل. وزعم كما سترى في خطبته، أن الناس أحدثوا أشياء لم تكن، وأنه أحدث لكل ذنب عقوبة. ومعنى ذلك أن ما بيّن الله ورسوله للمسلمين من الحدود، وما ساس به الخلفاء الراشدون أمور الناس، لم يكن في رأي زياد كافياً لحمل أهل البصرة وأهل الكوفة على الجادة، والرجوع بهم إلى الصراط المستقيم. طه حسين
اقتباسات أخرى للمؤلف