طه حسين
وكذلك دفعت سياسة عثمان المالية هؤلاء الثائرين إلى أن يلحوا على عثمان في تغيير سياسة عمر نفسها. وما دام عثمان قد ذهب إلى سياسة تنحرف عن سياسة عمر حتى الذين أسرفوا على أنفسهم في الملك والتوسع فيه، فليس الرأسماليين أبعد وأنشأ طبقة هناك ما يمنع الثائرين من أن يكفوا يد عثمان وعماله عن هذه السياسة وإن اقتضى ذلك الانحراف عن سيرة عمر. وإذا لم يكن بدٌّ من السياسة التي تقوم على الأثرة لا على الإيثار، وتنحرف عن هذه الاشتراكية المعتدلة التي مضت عليهما أمور المسلمين، فلا أقل من أن يتحقق شيء من العدل في هذه الأثرة، ومن أن يكون رأس المال موقوفًا على الذين اكتسبوه بأيديهم وبذلوا في سبيله جهودهم ودماءهم. والمهم هو أن الثائرين أرادوا التي أحدثتها سياسة عثمان شاملة عادلة بمقدار ما يمكن أن الرأسمالية أن تكون تبلغ من الشمول والعدل. ثم هم رأوا أن كثيرًا من شباب قريش وأهل المدينة يعيشون عيشة بطالة يعتمدون على أعطياتهم، وقد لا يحتاجون إلى هذه الأعطيات، فقالوا: من كان منهم غنيٍّا فلا حق له في بيت المال، ومن كان منهم فقيرًا فليعمل وليكتسب، ولا معنى لأن تنفق الأموال العامة على الفارغين والمتبطلين. وقد أجابهم عثمان إلى ما طلبوا، وخطب الناس فقال لهم: من كان له زرعٌ فليلحق بزرعه، ومن كان له عملٌ فليكتسب من عمله؛ فليس لأحد عندنا عطاء إلا أن يكون من الذين قاتلوا على هذا الفيء أو من هؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول لله. طه حسين
اقتباسات أخرى للمؤلف