طه حسين
شهد سقراط في شبابه مجد الأمة اليونانية عامة ومدينة أثينا خاصة ، وشهد في شيخوخته هذه الجهود العنيفة التي كانت تبذلها هذه الأمة اليونانية نفسها لتقضي على ما كان لها من قوة وسلطان ، شهد تلك الحرب التي لم يعرف العالم القديم مثلها ، والتي أثرت في الحياة اليونانية تأثيرين مختلفين : فرقت الحياة العقلية ، وحطت الحياة السياسية ؛ وكانت فلسفة سقراط ممثلة لهذين التأثيرين : كان فيها انصراف عن السياسة ، وكانت فيها من ناحية أخرى عناية بالحياة العقلية ، وحرص على تقويتها وترقيتها وتهذيبها . وشهد أفلاطون في شبابه ضعف الأمة اليونانية عامة ومدينة أثينا خاصة ؛ وتدخل الأجنبي في أمر هذه الأمة التي كانت شديدة البأس واسعة السلطان ؛ فأصبحت أداة تصطنعها الأمة الفارسية لإرضاء مطامعها المختلفة في آسيا وفي أوربا . وشهد في شيخوخته انحلال هذه الأمة اليونانية وموت الروح الوطني فيها . وكانت فلسفته ممثلة لهذا العصر الذي عاش فيه تمثيلًا صحيحًا ؛ فكانت من جهة كفلسفة سقراط ترمي إلى تقوية الحياة العقلية ومحاولة أن تكون وحدها غاية الرجل الحكيم . وكانت من جهة أخرى كفلسفة سقراط أيضًا تمثل السخط على الحياة السياسية الحاضرة ، وتتخذها موضوعًا للعبث والسخرية . ولكنها لم تكن يائسة من الإصلاح ، وإنما كانت تخالف فلسفة سقراط وترمي إلى وضع نظام جديد للحياة السياسية ليس يعنينا الآن أكان في نفسه حسنًا أم سيئًا ، معقولًا أم غير معقول ، ولكن الذي يعنينا أنه كان محاولةً للإصلاح ورغبة في إقامة بناء سياسي جديد ، ودليلًا واضحًا على أن البناء السياسي القديم الذي كان قد أخذ يتصدع أيام سقراط قد أشرف الآن على أن ينهار ، ولم يبق من الاستعداد بد لإقامة بناء جديد على أنقاضه . طه حسين
اقتباسات أخرى للمؤلف