طه حسين
كان يرى أن حرب الناكثين والقاسطين والمارقين حقّ عليه وعلى المسلمين، كجهاد العدو من المشركين وأهل الكتاب. ولكنه لم يكن يفرض ذلك عليهم فرضاً ولا يدفعهم إليه بقوة السلطان، وإنما يندبهم له؛ فمن استجاب منهم رضى عنه وأثنى عليه، ومن قعد منهم وعظه ونصحه وحرّضه وأبلغ في الوعظ والنصح والتحريض. وهو لم يُكره أحداً على حرب الجمَل ولا على حرب صفِّين ولا على حرب الخوارج، وإنما نهض لهذه الحروب كلها بمن انتدب معه على بصيرة من أمره ومعرفة لحقه. ولو شاء لجنَّد الناس تجنيداً، ولكن هذا النحو من الخدمة العسكرية التي يُجبر الناس عليها لم يكن قد عُرف بعد. ولو شاء لرغب الناس بالمال في هذه الحرب حين نكلوا عنها، ولكنه لم يفعل هذا أيضاً. كره أن يشتري نصرة أصحابه له بالمال وأراد أن ينصروه عن بصيرة وإيمان. بل هو قد فعل أكثر من هذا، فخاض بأصحابه غمرات هذه الحروب، ثم لم يقسم فيهم غنيمةً إلا ما كان يُجلب به العدوّ من خيل أو سلاح. وقد ضاق أصحابه بذلك وقال قائلهم كما رأيت فيما مضى: أباح لنا دماء العدو ولم يُبح لنا أموالهم. وكان رأيه في هذا أن حرب المسلم للمسلم غير حرب المسلم للكافر، لا ينبغي أن يراد بحرب المسلم إلاّ اضطراره على أن يفيء إلى أمر الله. فإن فعل ذلك عصم نفسه وماله. ولا ينبغي أن يُسترقّ ولا أن يُصبح ماله غنيمة. ولا كذلك حرب غير المسلمين. فليس غريباً أن يثَّاقل أصحابه عن حرب أهل الشام بعد ما جرّبوا من سيرته فيهم، فهي حرب تكلفهم عناء وتعرضهم للموت ثم لا تغني عنهم شيئاً، لأنها لا تتيح لهم الغنيمة. ونحن نعلم أن العربيّ يفكر في الغنيمة كلما فكر في الحرب ولأمر ما حرّض الله المسلمين على الجهاد مع نبيه فقال: ﴿وعَدَكُم الله مَغَانِم كَثِيرةً تَأْخُذُونَهَا﴾ الآية. ففي هذين الأمرين: الخضوع لسلطانه، وحرب عدوه من المسلمين، كان عليّ يترك أوسع الحريّة وأسمحها لأصحابه. طه حسين
اقتباسات أخرى للمؤلف