طه حسين
ومع ذلك فقد كان خليفتهم الجديد أجدر الناس بأن يملأ قلوبهم طمأنينة وضمائرهم رضى ونفوسهم أملاً. فهو ابن عم النبيّ وأسبق الناس إلى الإسلام بعد خديجة، وأول من صلى مع النبي من الرجال، وهو ربيب النبي قبل أن يُظهر دعوته ويصدع بأمر الله. أحسّ النبيّ أن أبا طالب يلقى ضيقاً في حياته فسعى في أعمامه ليعينوا الشيخ على النهوض بثقل أبنائه، فاحتملوا عنه أكثر أبنائه وتركوا له عَقيلاً، كما أحب، وأخذ النبيّ عليّاً فكفله وقام على تنشئته وتربيته. فلما آثره الله بالنبوة كان عليّ في كنفه لم يجاوز العاشرة من عمره إلاّ قليلاً. فنستطيع أن نقول إنه نشأ مع الإسلام. وكان النبي يحبه أشد الحب ويؤثره أعظم الإيثار، استخلفه حين هاجر على ما كان عنده من ودائع حتى ردّها إلى أصحابها، وأمره فنام في مضجعه ليلة ائتمرت قريش بقتله، ثم هاجر حتى لحق بالنبيّ في المدينة فآخى النبي بينه وبين نفسه ثم زوّجه ابنته فاطمة، ثم شهد مع النبيّ مَشاهده كلها، وكان صاحب رايته في أيام البأس. وقال النبي يوم خيبر: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسولَه ويُحبه الله ورسوله. فلما أصبح دفع الراية إلى عليّ. وقال النبي له حين استخلفه على المدينة يوم سار إلى غزوة تَبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي. وقال للمسلمين في طريقه إلى حجة الوداع: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وكان عمر رحمه الله يعرف لعليّ علمه وفقهه يفزع إليه في كل ما يعرض له من مشكلات الحكم. وقال حين أوصى بالشورى: لو ولّوها الأجلح لحملهم على الجادة إلى فضائل كثيرة يعرفها له أصحاب النبيّ على اختلافهم، ويعرفها له خيار المسلمين من التابعين، ويؤمن له بها أهل السنة كما يؤمن له بها شيعته.ويقول إن عليّاً أقضانا. طه حسين
اقتباسات أخرى للمؤلف