والغريب أنّ معظم المؤخرين القدامى يكتبون التاريخ في هذا الضوء. فهم يحمدون للسلاطين ما فتحوا وعمروا، ويشجبون الشعوب المفتوحة على ما شكوا منه أو ثاروا له. فالتاريخ عندهم عبارة عن سجل للفتح والعمران. أما المبادئ التي نادى به الثائرون فهي زندقة أو دعوة إلى الشغب والفوضى. لا أزال أتذكر ما كنّا ندرسه في المدارس الابتدائية و...الثانوية، ونحن تلاميذ، من معالم التاريخ القديم. فكنّا لا نفهم من التاريخ سوى أعمال الملوك، وكان علينا أن نحفظ أسماء الملوك وأسماء البلاد التي فتحوها دون أن نسأل عن المشاعر المكبوتة التي كانت الشعوب المفتوحة تعانيها عند الفتح. شعرت ذات يوم وأنا صبي بشيء من الصراع النفسي. فقد كنت أقرأ قصص الأنبياء في البيت وقصص السلاطين في المدرسة. فأرى بينهما تناقضاً مذهلاً. فكتب الأنبياء تعطينا صورة من التاريخ معاكساً لما تعطينا إيّاه كتب السلاطين فالقرآن مثلاً يحتقر فرعون وآثاره، بينما يمجّد موسى ومن تبعه من الثوار على فرعون. أما كتب التاريخ المدرسي فهي تركّز نظرها على أمجاد فرعون وأمثاله وتكاد تهمل أثر المتمردين عليهم. علي الوردي
اقتباسات أخرى للمؤلف