وإننا لا نذيع سراً إذا قلنا بأن القيم التي تسود بين الأطفال في الأزقة كثيراً ما تشبه سنة الغابة، فهي قيم تدور حول القوة وحول استعمالها في كل سبيل. إن الأطفال في الزقاق، حيث لا يشرف عليهم مشرف من الكبار، تنمو فيهم قيم التفاخر بالقوة والتباهي بها وحب السيطرة وشدة العصبية المحلية. نحن نعود أطفالنا منذ صغرهم على أن يتظاهروا بالوقار والرزانة أمام الكبار وبهذا تنشأ فيهم شخصيتان: شخصية للزقاق، وأخرى للظهور أمام الناس. فالأبوان في العراق كثيرا ما يؤنبان طفلهما إذا بدرت منه بوادر لا تليق بمعشر الكبار، فهو إذن يحاول أن يكون عاقلا خلوقا ساكنا إذا ذهب مع أبيه إلى المقهى، ولكنه لا يكاد يرجع إلى الزقاق حتى تراه قد خلع عنه ذلك القناع المصطنع الذي تقنع به في صحبة أبيه. فإذا كبر هذا الطفل، دأب على أن يقول ما لا يفعل، وأن يتحمس لما لا يعتقد به، وأن يعظ غيره بغير ما يعظ به نفسه. علي الوردي
اقتباسات أخرى للمؤلف